خلال شهر أكتوبر الماضي، تعرضت إسرائيل لأكثر من 400 هجوم إلكتروني.
خلال شهر أكتوبر الماضي، تعرضت إسرائيل لأكثر من 400 هجوم إلكتروني.

لم تقتصر الحرب المندلعة بين إسرائيل وحركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى على الميدان العسكري فقط بل امتدّت سريعًا إلى الإنترنت.

بحسب تقديرات فإن قرابة 100 مجموعة قرصنة أعلنت انخراطها في حرب سيبرانية تزامنت مع اشتعال الموقف. أكثر من 70 منها منحازة إلى فلسطين والبقية موالية لإسرائيل، وهو ما وصفته الخبيرة الرقمية كاترين مانستيد بأنه "أكبر تعبئة جماعية للهاكرز الأجانب في التاريخ".

 

حماس.. عقد من محاولات الاختراق

 

خلافاً لما هو شائع فإن "حماس" لا تعتمد في حربها مع إسرائيل على الأسلحة العسكرية فحسب. بل إنها أنشأت إدارة إلكترونية خاصة بها عُمرها عشر سنواتٍ على الأقل.

منذ 2013 دأب قراصنة "حماس" على استخدام "البرامج الضارة" للتجسس على الجيش الإسرائيلي من الداخل عبر إنشاء حسابات مزيفة في "فيسبوك" تنتحل هويات افتراضية لفتيات إسرائيليات ينجحن في استقطاب الجنود وإرسال مواد إباحية لهن عادةً ما تكون ملحقة ببرامج تجسس سرية.

بعدها بخمس سنوات، استغلت حماس استخدام جنود إسرائيليين لتطبيقات للمواعدة وأخرى لمشاهدة مباريات كأس العالم لدسِّ ملفات تجسس في مكوّنات هذه التطبيقات من أجل نقط تحركات الجنود وأنشطتهم.

ومنحت تلك التطبيقات "حماس" السيطرة على هواتف عددٍ من الجنود الإسرائيليين ومنحتها تفاصيل عديدة عن قواعدهم العسكرية ومواعيد تحركات مركباتهم.

تُرجم نجاح "حماس" السيبراني في هجوم 7 أكتوبر الذي لم تتضح جميع ملابساته بعد. لكن المؤشرات الأولية تشير إلى نجاح "حماس" في تعطيل أجهزة الاستشعار وأبراج الاتصالات التي نشرتها إسرائيل على طول حدودها مع غزة بعدها تمكّنت من مفاجأة إسرائيل وتنفيذ هجوم ناجح على المستوطنات والمواقع العسكرية المتاخمة للقطاع.

ومع بدء إسرائيل عمليتها البرية الأخيرة، كان امتداد "لهيب" الحرب إلى الفضاء الإلكتروني أمراً حتميا.  وتعرضت إسرائيل لـ143 هجمة سيبرانية بين يومي 2 و10 أكتوبر، أغلبها وقع بعد شنِّ حماس لهجومها المباغت في 7 أكتوبر. لاحقاً، زاد معدل الهجمات حتى بلغ 400 هجوم مع نهاية أكتوبر.

وقد شنّت مجموعات مؤيدة لحماس هجمات ضد تطبيق إلكتروني إسرائيلي يحذّر السكان من الهجمات الصاروخية القادمة بعدما نجحوا في استغلال ثغرة أمنية في التطبيق. وبدلاً من رسائل التحذير بثّوا رسائل مزيفة حذّرت إحداها من انفجار قنبلة نووية وشيكة، فيما قالت رسالة أخرى للمستخدمين "الموت لإسرائيل"!

وهُوجم أيضا أكثر من 20 موقعاً حكومياً إسرائيلياً، كما تعرّض موقع صحيفة "جيروزاليم بوست" لاختراقٍ أوقفه خمس ساعات عاد بعدها إلى العمل لكن المستخدمين ظلّوا يواجهون مشاكل في الدخول إليه لبضعة أيام بعدها.

وكذلك، أعلنت مجموعات من القراصنة مهاجمة الأنظمة الإلكترونية للقبة الحديدية، فيما نجح فريق من القراصنة في اختراق لوحتين إعلانيتين في تل أبيب وبثوا لقطات مناهضة لـ"الاحتلال الإسرائيلي"، بينما تمكن فريق آخر من تنفيذٍ هجومٍ ناجح على موقع إحدى الكليات الإسرائيلية ونشروا سجلات 250 ألف طالب وموظف في الجامعة.

وعادةً ما تكون مجموعات القراصنة التي تتبنّى هذه الهجمات من الروس المتعاطفين مع الفلسطينيين والذين اعتبروا أن إسرائيل "خانت" روسيا في حربها مع أوكرانيا حسبما أعلنوا عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن في الأيام الأخيرة ظهرت مجموعات قراصنة حملت جنسيات عربية ومن دول إسلامية مختلفة: السودان والمغرب وأيضاً من إندونيسيا وبنجلاديش.

وقبل أيام، كشف جابي بورتنوي رئيس مديرية الإنترنت في إسرائيل أن قراصنة تابعين لـ"حزب الله" اللبناني نجحوا في اختراق الكاميرات الأمنية داخل إسرائيل لتتبع حركة الجنود خلال الأسابيع الأخيرة.

ويسود قلق في إسرائيل بعد نجاح مقاتلي حماس في الاستيلاء على عددٍ كبير من الأجهزة الإلكترونية والهواتف الخاصة بالمستوطنين الذين داهموا منازلهم. نُقلت هذه الأجهزة إلى غزة تمهيداً لفتح واستغلال المعلومات الرقمية المتاحة داخلها لمعرفة المزيد من تفاصيل الحياة داخل هذه المستوطنات المتاخمة للقطاع.

سريعاً، كشفت حماس عن نجاحها في استغلال هذه الأجهزة بعدما استخدمت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالرهائن لعرض بث مباشر للحظات الاختطاف وفيديوهات للمختطفين تحت الأسر، لكن في ظل انقطاع الإنترنت عن القطاع أصبح التحدّي كبيراً أمام قراصنة "حماس".

 

إسرائيل.. ضد "حماس" وإيران من خلفها

 

شنَّ قراصنة إسرائيليون هجوماً ضد الموقع الرسمي التابع لحماس متسببين في إغلاقه، فيما نجحت مجموعات من القراصنة من الهند وأوكرانيا، أُعلنت عن نفسها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في شنِّ هجمات إلكترونية ضد "حماس" نجحت في تعطيل بعض خدمات المواقع الحكومية وموقع الجامعة الإسلامية في غزة.

وبحسب "فاينانشال تايمز"، فإن إسرائيل أيضاً اعتمدت على عددٍ من المتطوعين الذين كانوا يراقبون شبكات الاتصالات ووسائل الإعلام في غزة ثم يمرّرون المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي.

وقبل هجوم 7 أكتوبر، تلقى ضباط الجيش تحذيرات متكررة من هؤلاء المتطوعين بأن حماس تجري "مناورات معقدة" لكن أحداً لم يلتفت إلى تحذيراتهم.

وسابقا، لم تكتفِ إسرائيل بالرد على الهجمات الإلكترونية بأخرى وإنما لجأت إلى الحل العسكري. وفي مايو 2021 شنّت إسرائيل غارات مكثفة ضد منازل زعمت أنها تأوي قاعدة تنطلق منها هجمات سيبرانية ضدها.

حتى هذه اللحظة لم تعلن إسرائيل في حربها البرية ضد القطاع استهداف أي منشأة تستخدمها حماس في تنفيذ أعمال سيبرانية، بما فيها الغارة التي استهدفت مبنى وزارة الاتصالات الفلسطينية في غزة ودمرته تماماً.

ولا تقف إيران بعيدة عما يدور بين "حماس" وإسرائيل، فقد اتهمت طهران تل أبيب مراراً بتنفيذ هجمات سيبرانية ضدها أبرزها الاختراق السيبراني الذي طال منشأتها النووية في 2009 واستهداف "ميناء الشهيد رجائي" الإيراني متسببة في ارتباك الحركة داخل ممراته المائية.

في المقابل نفّذت طهران هجمات ضد مواقع حكومية إسرائيلية وأخرى مملوكة لشركات خاصة طيلة العام الماضي، حسبما أعلنت شركة مايكروسوفت.

وفي 2020، اتهمت تل أبيب طهران بتنفيذ هجومٍ إلكتروني على 6 منشآت تابعة لهيئة المياه الإسرائيلية سعى لرفع كمية الكلور في إمدادات المياه التي تصل للبيوت إلى مستويات خطرة، وهو ما اضطر الهيئة إلى تعيين شركة خاصة لحماية أنظمتها السيبرانية.

كذلك طوال الشهر الماضي لم تتوقف الاتهامات الإسرائيلية ضد إيران بدعم قراصنة حماس تكنولوجياً أو حتى تنفيذ هجمات مباشرة على مواقع إسرائيلية بواسطة "هاكرز" إيرانيين.

وتسعى إسرائيل لتعزيز قدراتها في هذا المجال عبر الاستعانة بالخبرات الأميركية في هذا الصدد. ففي نهاية 2022 نفّذت قوات مشتركة بين البلدين تدريبات ركّزت على الأمن السيبراني، كما تعاونت تل أبيب مع واشنطن لإقامة 4 مشاريع لحماية الأنظمة الإلكترونية الإسرائيلية من الاختراق بتكلفة قُدّرت بـ3.8 مليون دولار، فيما يتوقع أن تجري إسرائيل عملية مراجعة شاملة لأنظمتها الوقائية الإلكترونية بعد انتهاء هذه الحرب.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

مارتن لوثر كينغ في خطابه الأشهر "لدي حلم"، أمام جماهير غفيرة من الأميركيين في العاصمة واشنطن- تعبيرية
مارتن لوثر كينغ في خطابه الأشهر "لدي حلم"، أمام جماهير غفيرة من الأميركيين في العاصمة واشنطن- تعبيرية

"إذا كان بينكم من امتلك عبداً خلال حياته، فليرفع يده رجاءً"، بهذه الكلمات يبدأ الناشط والمحامي الأميركي المتخصص بقضايا العنصرية جيفري روبنسون محاضرته عن تاريخ العبودية والعنصرية في الولايات المتحدة في إحدى قاعات مسارح مدينة نيويورك.

ينتظر روبنسون لبرهة ليرى ما إذا كان أحد في الصالة سيرفع يده، ثم يكمل "ليس هناك يد واحدة ارتفعت في هذه القاعة. العبودية ليست خطأنا، لم نرتكبها، لم نتسبب بها. لسنا مسؤولين عن حدوثها، لكنها تاريخنا المشترك. وعندما نحاول أن نحوّر التاريخ أو أن نبالغ في شأنه، نكون في حالة إنكار لمن نحن عليه حقاً، ونعيق إمكانياتنا لتخطي الموضوع والسير قدماً كمجتمع وكأمّة".

قامت شبكة "نيتفلكس" بتحويل محاضرة روبنسون إلى فيلم وثائقي بعنوان "من نحن؟"، يبحث في جذور العنصرية الأميركية، ويضيء على جوانب مظلمة من تاريخ العبودية في الولايات المتحدة.

في الثاني من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي لإلغاء الرقّ، الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير في عام 1949.

بحسب الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، فإن "الرق تطوّر وتجلى بأساليب مختلفة عبر التاريخ. وفي وقتنا هذا، ما زالت بعض أشكال الرق التقليدية القديمة قائمة على نحو ما كانت عليه في الماضي، وتحول بعض منها إلى أشكال جديدة".

وتوثق التقارير الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية "استمرار وجود الأشكال القديمة من الرق المجسدة في المعتقدات والأعراف التقليدية".

ونتجت هذه الأشكال من الرق، بحسب الأمم المتحدة، عن "التمييز القائم منذ عهد طويل ضد أكثر الفئات استضعافا في المجتمعات مثل: أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية والسكان الأصليين".

 

العبودية في أميركا

قطعت الولايات المتحدة أشواطاً طويلة في الانتقال من العبودية إلى الحرية والديمقراطية، ولا يزال الكفاح مستمراً في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1865، حيث كانت العبودية أحد أسباب اندلاعها، وإعلان سبع ولايات انفصالها مشكّلة الولايات الكونفدرالية، ثم انضمام أربع ولايات أخرى إليها بعد وصول أبراهام لينكولن إلى رئاسة البلاد ليتضمن برنامجه بند إلغاء العبودية، الأمر الذي رفضته الولايات الانفصالية.

وتعود جذور العبودية في أميركا إلى سنة 1619، حينما رست سفينة هولندية على متنها عشرين شخصاً جُلبوا من أفريقيا خلافاً لإرادتهم، إلى المستعمرات البريطانية في ولاية فرجينيا كعبيد.

وفي سنة 1636، جرى إطلاق أول سفينة عبودية أميركية تحت اسم "الرغبة The Desire"، تلاها إنشاء ثلاث سفن أخرى مخصصة لجلب العبيد من أفريقيا حملت أسماء "الثورة"، و"الأمل"، و"الازدهار".

هذه الأسماء، بحسب جيفري روبنسون، تشير إلى "الطريقة التي كان ينظر فيها التفوق العرقي الأبيض إلى العبودية في تلك الفترة".

ويشرح في محاضرته كيف أن العبودية كانت حاضرة في جميع أدبيات ذلك الزمن، وكانت مشرّعة عبر القوانين التي تُسنّ لإدارة العبودية وتعزيزها. وللدلالة على مدى انتشار العبودية بشكل "عادي" في تلك الفترة، فإن ثمانية من أصل أول 12 رئيساً للولايات المتحدة، كانوا مالكين لعبيد.

في سنة 1662، سنّت ولاية فرجينيا قانوناً يعتبر أبناء الأمهات المستعبدات، عبيداً أيضاً. وهدف القانون، بحسب روبنسون "تفادي أن يقوم الأطفال الذين يولدون نتيجة اغتصاب الأسياد البيض للنساء المستعبدات الأفارقة بالمطالبة بالنسب. حتى لو ولدوا بعيون زرقاء أو نمش، هذا لا يجعل منهم بشراً أحراراً بحسب ذلك القانون، بل يولدون عبيداً ويبقون عبيداً".

فرجينيا أقرت بعد ذلك قانوناً آخر يمنع العبيد من أن يصيروا أحراراً عبر اعتناق المسيحية، ويعتبر القانون أن المسيحية بمثابة "هبة من المالك إلى العبد، ولا تغيّر في طبيعة العلاقة بينهما". في 1669، أصدرت الولاية قانوناً آخر، يجيز قتل الشخص المستعبد إذا حاول مقاومة سيّده.

وفي عام 1739 اندلعت ثورة قادها "العبيد" في مدينة ستونو بولاية ساوث كارولاينا، وكانت عنيفة لدرجة أن بعض البيض قطعت رؤوسهم، بحسب روبنسون. وبعد هذه الثورة أصدرت الولاية مجموعة قوانين لـ"ضبط العبيد ومنعهم من التمرّد"، تنصّ على "ضرورة أن يبقى العبد مقيّداً وخاضعاً".

في تلك الفترة التي امتدت من عام 1619 حتى تمرير الكونغرس في 31 يناير 1865، التعديل الدستوري الثالث عشر الذي نصّ أنه "لا يسمح بالرق والتشغيل القسري إلا في حال كان بحكم قضائي، في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطتها"، كانت ممارسة العبودية جزءاً من تركيبة المجتمع الأميركي، وكان العبيد جزءا من آلية الإنتاج الزراعي والصناعي، يعملون في إنتاج القطن والتبغ والحبوب، وكان هناك أسواق لبيع وشراء العبيد، كما أن شركات التأمين تبيع بوالص لتأمين حياة العبيد في حال وفاتهم، يحصل المالك بموجبها على مال التأمين.

وكانت المصارف أيضاً تقدم قروضاً لشراء العبيد بالتقسيط. وتقام أسواق العبودية في المدن الرئيسية داخل الولايات. في ولاية ساوث كارولاينا مثلاً، لا يزال متحف سوق العبودية القديم في شارلستون شاهداً على تلك الحقبة.

يقول المدير التنفيذي للمتحف ايستا كلارك خلال مقابلة ضمن الفيلم الوثائقي "من نحن؟"، إن "السوق كان يفتح لستة أيام في الأسبوع، يباع فيه عبيد من أعمار حديثي الولادة حتى سبعين سنة".

ويوضح أن العبيد لم يكونوا يمتلكون أسماء عائلات، بل يعرفون فقط بأسمائهم الأولى، وهذه الأسماء تتغير مع تغير المالك. وفي المتحف نماذج عن أصفاد معدنية كانت تستخدم لتكبيل المستعبدين بالسلاسل، بعضها صمّم ليلائم أطفالاً في عمر ثلاث أو أربع سنوات.

 

"إعلان تحرير العبيد"

بعد فترة قصيرة من تنصيب لينكولن في 1861 اندلعت الحرب الأهلية، وانضمت أربع ولايات جنوبية أخرى إلى الكونفدرالية، فيما استمرت أربع ولايات مؤيدة للعبودية شمال الجنوب الأميركي في الاتحاد.

استجاب لينكولن إلى دعوات مناهضي الرق لتحرير جميع العبيد الأميركيين بعد انطلاق الحرب الأهلية. وفي ظل استمرار الحرب، بدأت الحكومة التي سيطر عليها الجمهوريون آنذاك، تدرك المزايا الإستراتيجية لتحرير الرق المتمثلة في إضعاف الكونفدرالية من خلال تجريدها من جزء مهم من العمالة التي تعتمد عليها.

وبانسحاب 11 ولاية من الاتحاد، تقلص عدد المشرعين المؤيدين للعبودية في الكونغرس. في عام 1862 ألغى الكونغرس القوانين الخاصة بمعاقبة العبيد الفارين، وجرم العبودية في المناطق التابعة للولايات المتحدة والواقعة خارج حدودها الجغرافية، وسمح للينكولن بتجنيد العبيد المحررين في الجيش.

في الأول من يناير 1863، أصدر لينكولن إعلانا بإلغاء الرق، ودعا الجيش إلى تحرير جميع العبيد في الولايات التي لا تزال متمردة وأعلن أن أولئك العبيد الذين قدر عددهم بثلاثة ملايين أصبحوا أحرارا "الآن ومستقبلا وإلى الأبد".

بذلك نجح لينكولن في تحويل الحرب الأهلية من حرب ضد انفصال ولايات عن البلاد إلى "حرب من أجل ولادة جديدة للحرية"، مثلما قال في خطاب "غيتسبيرغ" عام 1863.

أشكال أخرى للعبودية

لم تنته العبودية بشكل حاسم وكامل بعد ذلك التاريخ، إذ استمرت في مراحل مختلفة لاحقاً، كما حصل جرّاء ما عُرف بـ"قوانين جيم كرو"، التي كرّست ممارسات عنصرية في الولايات الجنوبية خصوصاً، تمنع الاختلاط بين البيض والسود، في فصل عنصري صريح وصل حدّ منع السود من ارتياد الحانات التي يرتادها البيض أو الشرب من الماء الذي يشربونه.

ومارست هذه القوانين أبشع أنواع التهميش والإقصاء بحق الأميركيين الأفارقة واستمرت منذ 1876 وبقيت سارية في بعض الولايات حتى ستينيات القرن الماضي.

في عام 1965 كان إقرار قانون الحق في التصويت، بتوقيع من الرئيس الأميركي ليندون جونسون، نهاية مرحلة طويلة من إقصاء الأميركيين الأفارقة من حق التصويت خصوصاً في الولايات الجنوبية، ووضع قيوداً وعقوبات على الولايات التي تحاول تغيير قوانين حقوق التصويت.

إقرار هذا القانون كان نتاج نضالات طويلة خاضها السود وعلى رأسهم في تلك الحقبة الناشط السياسي مارتن لوثر كينغ، الذي ألقى عام 1963 خطابه الشهير "لدي حلم".

وبالفعل تحقق بعض من حلم كينغ مع إقرار قانون حق التصويت، لكنه ما لبث أن اغتيل في الرابع من أبريلن 1968 على يد أحد المتعصبين البيض.

كان لقانون حق التصويت الأثر الأبرز في زيادة تمثيل الأميركيين الأفارقة في مجلسيّ الشيوخ والنواب وفي إدارات الدولة ووزاراتها، وشهدت أميركا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 حدثاً تاريخياً تمثّل في انتخاب باراك أوباما، كأول رئيس أميركي أسود يصل إلى البيت الأبيض واستمر في المنصب لولايتين.

ولا تزال الولايات المتحدة تحرص من خلال قوانينها ومؤسساتها ومجتمعها المدني على محاربة العنصرية، التي يرى كثير من الأميركيين السود أنها لا تزال تُمارَس ضدهم، وتتمظهر خصوصاً في ممارسات الشرطة بحق السود، أبرزها ما حدث مع جورج فلويد، الذي حرّك مقتله على يد شرطي أبيض احتجاجات ضخمة في مختلف الولايات، فصارت قضيته قضية رأي عام، وحكمت المحكمة على قاتله الذي اعترف بجريمته بـ22 سنة ونصف في سجن مينيسوتا.

وفي عام 2014 أثيرت في أميركا قضية التعويضات والديون المالية المترتبة على الخزانة الأميركية لتغطية 250 عاماً من العبودية التي عانى منها السود، حيث يعتبر المطالبون بتسوية مالية لـ"أحفاد العبيد" أنها يمكن ان تعالج ما يعتبرونه "عدم المساواة العرقية" التي لا تزال حاضرة حتى اليوم في أميركا.