قضى آية الله الخميني 15 سنة في المنفى، قبل أن يعود في بداية فبراير 1979 إلى طهران، بعد نجاع الثورة وفرار الشاه محمد رضا بهلوي خارج البلاد.
أوصلت الثورة الخميني إلى الحكم، لكن الرجل سرعان ما بدأ بالإطاحة برفاقه القدامى، بعدما رأى فيهم عائقاً أمام سيطرته المطلقة على مقاليد السلطة.
نستعرض في هذا المقال سيرة عدد من هذه الشخصيات وأسباب تخلّي الخميني عنها، على الرغم من الروابط القوية التي جمعته بها قبل الثورة ضد نظام الشاه.
أبو الحسن بني صدر
ولد أبو الحسن بني صدر في همدان عام 1933. وفي شبابه، التحق بالجبهة الوطنية التي كانت تعتمد أفكار رئيس الوزراء الأسبق محمد مصدق.
بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، سافر بني صدر إلى فرنسا، واتخذ منها منبراً لإعلان المعارضة ضد سياسات الحكومة الإيرانية. وأثناء ذلك، وصل الخميني إلى باريس، فالتقى الرجلان، وسرعان ما تقاربت أفكارهما حول الثورة ونظام الحكم الذي ينبغي أن تُحكم به إيران.
بعد الثورة، تقلد بني صدر منصب وزير الاقتصاد والشؤون الخارجية، ثم انتُخب كأول رئيس للجمهورية الإيرانية بعدما حصد أكثر من 70% من مجموع أصوات الناخبين الإيرانيين.
وفاة أول رئيس جمهورية بعد الثورة في إيران، أبو الحسن بني صدر، في أحد مستشفيات باريس عن عمر ناهز الـ89 عاما. pic.twitter.com/VitZw46ze5
— أمین (@Hatmi1Salim) October 9, 2021
لاحقاً، تسببت الخلافات الفكرية الكبيرة بين الخميني وبني صدر في عزل الأخير من منصبه بعد أقل من عام واحد، بعد تصويت أغلبية أعضاء مجلس الشورى الإيراني على الإطاحة به في يونيو 1981.
اضطر بني صدر على إثر الواقعة إلى الرحيل من إيران، والعودة لفرنسا، وعاش فيها حتى وفاته في أكتوبر 2021.
في إحدى المقابلات الصحافية معه، وصف بني صدر الخميني بأنه "خان مبادئ الثورة الإيرانية بعد أن وصل إلى السلطة.. تاركاً شعوراً بالمرارة الشديدة وسط بعض من عادوا منتصرين معه إلى طهران".
محمد كاظم شريعتمداري
ولد المرجع الشيعي محمد كاظم شريعتمداري في مدينة تبريز الإيرانية عام 1906. انخرط منذ صغره في سلك التعليم الديني، وتتلمذ على يد كبار العلماء الشيعة في كل من النجف وقم ومشهد.
في خمسينات القرن العشرين، أصبح شريعتمداري واحداً من كبار علماء الدين في إيران. وفي 1961 تولى المرجعية الكبرى في قم عقب وفاة المرجع حسين البروجردي.
هنوز هم از زائرانت مثل سگ میترسند
— ali asghar (@aliasghar_sm) January 7, 2024
بزرگ مرجع مظلوم جهان تشیع ، افتخار آذربایجان
حضرت آیت الله سید محمد کاظم شریعتمداری (ره) pic.twitter.com/6MfnCiQplh
كان دعم شريعتمداري للخميني واضحا في فترة الستينات. في تلك المرحلة، قام الشاه بالقبض على الخميني بسبب المظاهرات الحاشدة التي دعا إليها. وكان شريعتمداري من ضمن العلماء الإيرانيين الذين تصدوا للشاه عندما أراد أن ينفذ حكم الإعدام بحق الخميني، وسارع بالتوقيع على قبول الرسالة العلمية التي تقدم بها الخميني للوصول لمرتبة المرجعية، الأمر الذي أفسد خطط الشاه؛ لأن الدستور الإيراني يمنع حبس وإعدام المرجعيات الدينية.
من هنا لم يكن أمامه -الشاه- إلا التخلص من الخميني عن طريق نفيه خارج البلاد.
عقب انتصار الثورة الإيرانية، تواصل الخميني مع شريعتمداري، لكن الأخير لم يُعجب بنية الأول في الاستحواذ الكامل على السلطة تحت ستار نظرية ولاية الفقيه.
تسبب ذلك في تضييق السلطة على شريعتمداري، خصوصاً بعدما اُتهم بالتخطيط لمؤامرة لقلب نظام الحكم، ففُرضت عليه الإقامة الجبرية ومُنع من الاتصال بمؤيديه وأنصاره، كما حُرم من تلقي العلاج المناسب بعد مرضه بالسرطان، وظل حبيس منزله حتى توفي عام 1986.
صادق قطب زاده
ولد قطب زاده في مدينة أصفهان عام 1936. بدأ نشاطه السياسي في المرحلة الجامعية عقب الإطاحة بحكم رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953، وانضم إلى حركة "الحرية الإيرانية" التي قادها السياسي مهدي بازركان، ما أدى لاعتقاله أكثر من مرة.
في 1958، غادر قطب زاده إيران وعاش لسنوات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وفي 1971، التقى بالخميني في مدينة النجف بالعراق، وتوطدت العلاقة بينهما بسبب اتفاقهما على الإطاحة بالشاه.
Worth noting it is extremely rare for #Iran's regime to acknowledge that it executed someone of Alireza Akbari's rank as a deputy MODAFL minister. Though it is not unprecedented. Former Foreign Minister Sadegh Ghotbzadeh was executed in 1982. 1/2https://t.co/hYsScrBIIK pic.twitter.com/0GhhJVhbW4
— Jason Brodsky (@JasonMBrodsky) January 14, 2023
كان قطب زاده أحد المصاحبين للخميني أثناء رحلة العودة إلى طهران، وتم تعيينه في العديد من المناصب الرفيعة، كعضوية مجلس الثورة، والمسؤولية عن الإذاعة والتلفزيون، قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية.
في سبتمبر 1980، استقال قطب زاده من منصبه الوزاري، واضطربت علاقته مع الخميني.
في أبريل 1982، اُعتقل قطب زاده بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم في إيران واغتيال الخميني، وحوكم أمام إحدى المحاكم العسكرية لعدة أشهر، ليتم إعدامه رمياً بالرصاص في سبتمبر من العام نفسه.
محمد مهدي الشيرازي
يُعدّ محمد مهدي الشيرازي واحداً من كبار المراجع الشيعية الذين ينتسبون إلى مدينة شيراز.
ولد في مدينة النجف عام 1928، ثم انتقل معية والده إلى كربلاء واستقر هناك، حيث درس العلوم الدينية على يد كبار العلماء والمراجع.
بعد وفاة والده آل اليه أمر المرجعية، ووقف معارضاً لتصرفات النظام البعثي الحاكم في العراق، ما تسبب في التضييق عليه وعلى أتباعه، لذلك، قرر الهجرة إلى الكويت أواخر 1969.
في الكويت، أسس الشيرازي مدرسة دينية علمية مستقلة، سرعان ما تمكنت من اجتذاب الكثير من الأتباع وطلبة العلم.
في ستينات القرن الماضي، أظهر الشيرازي دعمه الكبير للخميني بعد أن اعتقله الشاه، وقام الشيرازي في ذلك الوقت بحثّ علماء النجف على الاجتماع ونصرة الخميني ومخاطبة الدولة الإيرانية إيقاف قرار إعدامه والتأكيد على مرجعيته.
بعد قيام الثورة في إيران، هاجر الشيرازي إلى قم وأظهر دعمه لأفكار الخميني لا سيما نظرية ولاية الفقيه، لكن سرعان ما دب الخلاف بين المرجعين حول حدود وصلاحيات الولاية.
رفض الشيرازي نظرية الولاية المطلقة التي نادى بها الخميني، داعياً إلى تطبيق "شورى الفقهاء"، بمعنى أن جميع مراجع التقليد يشتركون مع بعضهم البعض في الحكم وفي إدارة شؤون الدولة.
تسبب هذا الخلاف في التضييق على الشيرازي، حيث تم منعه من إلقاء الدروس والخروج من منزله، وظل على ذلك الحال حتى وفاته عام 2001.
حسين لاهوتي اشكوري
كان حسين لاهوتي أشكوري واحداً من مساعدي الخميني الذين نجحوا في تأجيج الغضب الشعبي قُبيل الثورة.
اعتقله نظام الشاه أكثر من مرة، وعقب الإفراج عنه سافر إلى فرنسا ليقيم بمعية الخميني في الفترة الأخيرة من منفاه.
في تلك المرحلة، كان أشكوري من أقرب الناس إلى الخميني. ظهر ذلك بشكل واضح في كتاب "صحيفة الإمام" عندما وصف الخميني أشكوري بأنه "نور العين".
كان أشكوري واحداً من الذين اصطحبهم الخميني معه على متن الطائرة القادمة من فرنسا، عندما وصل إلى طهران.
تولى أشكوري قيادة الحرس الثوري لفترة قصيرة، ولكن ما لبثت الأمور أن انقلبت رأساً على عقب بعد أن تم عزل بني صدر. قيل إن أشكوري عارض القرار، وهذا أغضب الخميني.
في 1981، قُبض على أشكوري وزُج به في سجن "إيفين"، وبعد أيام معدودة، أعلنت السلطة عن وفاته بسبب تعرضه لأزمة قلبية.
رُفضت تلك الرواية من قِبل المعارضة، وترددت بعض الروايات التي ادعت أن وفاته كانت مدبرة.
مسعود رجوي
ولد مسعود رجوي عام 1948 في مدينة طَبَس شرقي إيران. درس الحقوق في المرحلة الجامعية، وانضم إلى صفوف حركة "مجاهدي خلق" الإيرانية قبل أن يُتم العشرين من عمره.
على إثر مشاركته في المظاهرات الرافضة لحكم الشاه، اعتقل رجوي في 1971، وصدر بحقه حكم بالإعدام، خُفف لاحقاً للسجن المؤبد، وظل حبيساً حتى أُفرج عنه خلال الثورة.
بعد خروجه من السجن، شارك رجوي في أحداث الثورة كواحد من قادة "مجاهدي خلق"، ثم التقى بالخميني في مدينة قم، وتفاهم الرجلان حول العديد من المواقف التي وحدت رؤيتهما للثورة.
مصاحبه آقای مسعود رجوی در باره موسی خیابانی و اشرف رجوی و شهیدان 19 بهمن pic.twitter.com/URnhhjDyMT
— مجاهدین پلاس (@mojahedin_plus) February 10, 2024
شهور عديدة مضت قبل أن يندلع الخلاف بين الإسلاميين و"مجاهدي خلق" حول بعض المسائل الإشكالية، منها الحرية والديمقراطية وشكل الحكم.
بدأ الخلاف بين رجوي والخميني بسبب موقفيهما من صياغة الدستور الجديد. في يناير 1980، تفاقم الخلاف بعدما قدم رجوي أوراقه كمرشح رئاسي من قِبل منظمة مجاهدي خلق، لكنه سرعان ما سحب ترشحه بعدما قال الخميني في أحد خطاباته "لا يحق لأي شخص لم يصوّت للدستور المشاركة في الانتخابات".
بعد عزل بني صدر، دخل رجوي في صدام مفتوح مع السلطات الإيرانية. وفي يوليو 1981 أعلن عن تأسيس "المجلس الوطني للمقاومة" في طهران، لكنه لم يجد لاحقاً سوى الهروب إلى باريس ليستكمل أنشطته المعارضة لحكم الخميني.
في 1986، انتقل رجوي إلى العراق، وبعد شهور معدودة، أعلن عن تأسيس "جيش التحرير الوطني الإيراني" الذي شارك إلى جانب نظام صدام حسين، في حرب الخليج الأولى ضد إيران.