صورة أرشيفية لمواطن لبناني يحمل ربطة خبز في أحد صباحات طرابلس
صورة أرشيفية لمواطن لبناني يحمل ربطة خبز في أحد صباحات طرابلس

تعاني طرابلس الواقعة شمال لبنان من معدل حرمان يصل إلى 57% مع تهميش مباشر وغير مباشر على مستوى الجغرافيا والتعليم والطبابة وحتى على مستوى الأمل بالبقاء في البلاد أو المغامرة بالحياة والهرب عن طريق "مراكب الموت".

وبحسب تصنيف للبنك الدولي، تعدّ طرابلس أفقر مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كما تعرضت منظمات دولية مثل "الإسكوا" و"أمنستي" لطبيعة الحياة غير الآمنة في العديد من أحيائها بالإضافة لتفشّي الفقر فيها.

 

فخامة المعارض ومآسي "الصفيح"

تحتفظ طرابلس بسجل تاريخي عريق وبخزان هائل يضم أكثر من 180 معلما أثريا ومرفأ تاريخيا و7 جزر ومعارض أهمها معرض رشيد كرامي الدولي بالإضافة إلى عدد هائل من المكتبات، لكنّ كل ذلك لا يشفع لها لتنال النصيب الذي تستحقه من اهتمام الحكومة.

في تقرير لمنظمة "العفو الدولية" اعتبرت المدينة الساحلية "غير آمنة في حالات الطوارئ ولا تؤمّن الحد الأنى من حقوق الإنسان".

في "حي التنك" على سبيل المثال الذي يُعدّ من أفقر أحياء المدينة، تمتد البيوت التي تعلوها أسقف الصفيح بشكل عشوائي وعلى نطاق كبير، وتتداخل بعض البيوت مع المقابر أو تمتد داخل الخانات.

وتروي دكاكين طرابلس الصغيرة الكثير عن أسرار عائلات المدينة حيث "دفاتر الديون" المعهودة، كما تقول الإعلامية إسراء ديب، وهي ابنة المدينة.

تشرح لـ"ارفع صوتك": "هذه الدفاتر التي يعتمدها أصحاب المتاجر بالأمانة منذ زمن طويل في القرى لحفظ الديون بانتظار أن يتمكن صاحبها من تسديد المبلغ المتوجب عليه، ما عادت حتى خيارا. حيث أن أصحاب المتاجر فقدوا حتى القدرة على البيع بالدين خصوصاً وأن الحال وصلت ببعض الزبائن لاستدانة الأساسيات كالخبز ومياه الشرب وما عاد الدين محصوراً بالثانويات".

في طرابلس أيضاً، تضيف ديب، تتعايش مظاهر مختلفة ما بين فقر مدقع وثراء فاحش على مستوى لبنان بأسره. فترى مثلاً في هذه الفترة في الشق الفقير منها الجماهير التي تنتظر الجمعيات التي توزع بمناسبة الأعياد، الملابس والطعام وتحديدا اللحوم.

"وفي قلب الخانات القديمة كما خان التماثيلي يصعقك التناقض في الرائحة بين رائحة التراث العريق ورائحة مياه الصرف الصحي. وفي الأسواق القديمة الغنية بالقناطر، الرطوبة وتسرب المياه يهدد ليس فقط الأحجار التي تنمو عليها الأعشاب الخضراء وإنما صحة المقيمين فيها أو بجانبها. وفي خان الخياطين وخان المصريين والزوايا التي تحفظ بقايا الوجود اليهودي، جمال آسر يحيط بالمار حتى على الأرض حيث الحجارة القديمة، ولكن الإهمال واضح بغياب الترميم أو حتى السعي للحفاظ على قداسة الأماكن الأثرية"، تبيّن ديب.

تتابع: "عند معرض رشيد كرامي الدولي، مثلاً، حيث ينتشر متسولون من جنسيات مختلفة طلبا للمساعدة. فقد تقاطع رحلتك الثقافية متسولة تطلب بخجل أي مساعدة ممكنة أو يتوافد إليك المحتاجون إذا وقفت وأنت تحمل ورقة وقلماً ظناً منهم أنك تسجل الأسماء للإعاشات أو لتسجيل أسماء أولادهم الذين يعانون من إعاقة ما أو من مرض مزمن أو من حرمان من التعليم أو من البطالة". 

هذه المظاهر جعلت أبناء المدينة يطلقون عليها ألقاباً عدة مثل "طرابلس المحرومة" "أم الفقير"، التي باتت تطغى على ألقاب أخرى تحتفي بجمالها مثل "الفيحاء" و"عروس البحر المتوسط".

 

"صفر ميزانية"

وعلى الرغم من أن تأجيل فعاليات طرابلس عاصمة الثقافة العربية لسنين (من 2021 إلى 2024) بسبب جائحة كوفيد-19 والتطورات الأمنية والأزمة الاقتصادية التي رافقت انفجار مرفأ بيروت وتبعته حتى اليوم، قد يعني كسب المزيد من الوقت للتحضير، لكنه التجربة أثبتت العكس حيث غابت الدولة عن التحضيرات.

"الدولة خصصت صفر ميزانية لفعالية ضخمة للغاية ورمت بالحمل على أكتاف المجتمع المدني" كما يقول الأستاذ ناصر جروس ناشر كتاب "طرابلس في عيون أبنائها والجوار".

وتم اختصار عام 2024 بالنصف الثاني منه فقط دون أن تكون هناك فعاليات تمهيدية قبل ذلك، ولم يتم تحضير برنامج متكامل للمناسبة.

الناشر الذي أطلق قائمة من الكتب حول المدينة بهدف إحياء الإرث الثقافي، يبدي لـ"ارفع صوته" أسفه لأن الحكومة اللبنانية "اتكلت على المجتمع المدني ولم تخصص أي ميزانية لفعاليات تعتبر عربية وعالمية. وتريد من المجتمع المدني أن يمنح أمواله ويلتزم بالنشاطات، وذلك مع أننا تواصلنا بصفتنا ممثلين عن هيئات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية بالوزارة منذ 3 سنوات وأبدينا استعدادنا لوضع خطة لهذه المناسبة لنحتفل بطرابلس تحت شعار (فيحاؤنا-عاصمة الثقافة لكل الأزمان )".

"كذلك أدرجنا في الملف كافة التفاصيل والدراسات وعرضناه بحسن نية على وزير الثقافة الذي أنشأ لجان لعاصمة طرابلس الثقافية وضع فيها حوالي 220 شخصا. لكن مع الأسف اللجان كانت كبيرة جدا والأعداد لا تكفي للاستفادة من الخبرات العميقة للمنظمين السابقين وبدا أنها عشوائية. مثلا، كيف للجنة مخصصة للأدب أن تعمل وهي تضم  42 شخصا!؟ لذلك اعتذرنا"، يتابع جروس.

ازدواجية الوضع في طرابلس بين التكريم والحرمان ترجمت أيضاً في رسائل مثقفي المدينة، مثل الكاتب الصحافي عقل عويط، الذي انتقد "المزاجية في اختيار المشاركين في اللجان وطغيان السياسة حتى على أكثر الأحداث الثقافية".

وحمّل عويط الإعلام رسالته بعنوان "لا تبهدلوها" متوجها للدولة بالدعوة إلى "عدم الإخفاق بحق المدينة" ومُدينا ما اعتبره "محاولة تهميش جديدة".

كتب: "يبدو من خلال مشهدية الافتتاح الهزلية أن التقاعس متعمّد من قبل هؤلاء القيّمين على هذا الحدث، وكأن لديهم إصراراً على تهميش المدينة ثقافيا وفكريا بعد تهميشها اقتصادياً وتنموياً، وجعلها غارقة في فقرها ومشاكلها المتعددة ."

بمواجهة هذه الصورة القاتمة نوعاً ما، تحاول المنتديات الثقافية كما يؤكد جروس "العمل من أجل حداثة طرابلس وغناها وإثبات أنها مدينة للتعايش في جوار متنوع يضم على سبيل المثال لا الحصر إهدن وبشري والكورة (أسماء أحياء) ومن ضمن المبادرات في هذا السياق، أخذنا على عاتقنا حمل صورة المدينة العريقة للعالم في الكتب والمجلدات ونحن حاليا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على كتاب يحمل عنوان (الثقافة في طرابلس) يتناول كل مقومات المدينة الثقافية من حيث السياسة والمسرح والفن التشكيلي والآثار والمساجد والكنائس".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(
العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله. (أرشيفية-تعبيرية(

فرضت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل جماعة حزب الله اللبنانية.

وذكرت وزارة الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورطين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لحزب الله.

وأوضح البيان أن الشبكة، التي تتألف من رجال أعمال وشركات لبنانية ويشرف عليها أحد كبار قادة فريق تمويل حزب الله، سهلت شحن عشرات شحنات الغاز البترولي المسال إلى حكومة سوريا، ووجهت الأرباح إلى حزب الله.

وأشارت إلى أن العمليات غير المشروعة لتهريب النفط والغاز البترولي المسال تولد مئات الملايين من الدولارات لحزب الله، وتدعم الأنشطة الإرهابية للمجموعة.

وقال وكيل وزارة الخزانة بالوكالة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي سميث: "يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتأجيج الاضطراب الإقليمي، ويختار إعطاء الأولوية لتمويل العنف على رعاية الأشخاص الذين يدعي أنه يهتم بهم، بما في ذلك عشرات الآلاف من النازحين في جنوب لبنان".

وأضاف: "وستواصل وزارة الخزانة تعطيل شبكات تهريب النفط وغيرها من شبكات التمويل التي تدعم آلة الحرب التابعة لحزب الله".

وصنفت وزارة الخارجية الأميركية حزب الله جماعة إرهابية في 31 أكتوبر 2001.

وذكرت وزارة الخزانة في بيانها أنها اتخذت إجراءات متسقة لاستهداف الأفراد المتورطين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات تمويل حزب الله التي توفر عائدات بالغة الأهمية للمنظمة.

ووفقا للبيان، من بين المسؤولين البارزين في حزب الله المشاركين في هذه الجهود محمد قصير، ومحمد قاسم البزال، اللذين يديران قناة لنقل غاز البترول المسال ومشتقات النفط الأخرى نيابة عن حزب الله ويتلقيان مدفوعات مباشرة مقابل بيعها.

وفي 15 مايو 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قصير لعمله لصالح حزب الله أو نيابة عنه كقناة أساسية للصرف المالي من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله.

وفي 20 نوفمبر 2018، صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية البزال، أحد شركاء قصير، لدعمه لحزب الله.

كما اتخذ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف عمليات تهريب النفط لحزب الله، بما في ذلك إجراء في 31 يناير 2024 استهدف شبكة حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي التي حققت إيرادات بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية بما في ذلك النفط، ومعظمها للحكومة السورية.

وأوضح البيان أن الشبكة التي تم تصنيفها اليوم تشمل مسؤولًا آخر رفيع المستوى في فريق تمويل حزب الله، ورجلي أعمال لبنانيين يوفران واجهة مشروعة على ما يبدو لتسهيل جهود حزب الله في تهريب النفط. وسهلت هذه الشبكة عشرات شحنات غاز البترول المسال إلى حكومة سوريا، بالعمل مع المسؤول في النظام السوري ياسر إبراهيم، الذي أدرجته وزارة الخارجية في 20 أغسطس 2020 لدوره في صفقات تجارية فاسدة استفاد منها الرئيس السوري الأسد.

وأشار البيان إلى أنه اعتبارًا من أواخر عام 2023، تولى المسؤول في حزب الله، محمد إبراهيم حبيب السيد، مسؤولية بعض الأعمال التجارية لحزب الله من البزال. وسافر السيد سابقًا مع البزال إلى جنوب شرق آسيا لتنسيق صفقات النفط المحتملة في المنطقة لفريق تمويل حزب الله. كما عمل كمحاور بين البزال ورجل الأعمال اللبناني علي نايف زغيب بشأن مشروع نفطي في موقع مصفاة في الزهراني بلبنان.

ووفقا لبيان الوزارة، فمنذ أواخر عام 2019 على الأقل، قدم زغيب، الخبير في كيمياء البترول، المشورة والمساعدة لفريق التمويل التابع لحزب الله خلف الكواليس، والتقى مع القصير والبزال لتنسيق أنشطتهم. وبصفته عضوًا في شبكة تهريب النفط التابعة لحزب الله، أمّن زغيب خزانات لتخزين، ربما النفط، نيابة عن حزب الله.

وأكد البيان أن القصير والبزال باعتبارهما من كبار مسؤولي حزب الله، حققا ربحًا من صفقات الغاز البترولي المسال مع زغيب الذي التقى بنائب لبناني واحد على الأقل تابع لحزب الله لمناقشة تمويل مشاريع النفط التابعة لحزب الله. كما نسق الزغيب مع ممول حزب الله، محمد إبراهيم بزي، بشأن المفاوضات التجارية. وفي 17 مايو 2018، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بزي لدعمه حزب الله.

كما يشارك رجل الأعمال اللبناني بطرس جورج عبيد في صفقات الطاقة لحزب الله، ويملك بشكل مشترك العديد من الشركات مع زغيب، بحسب البيان.

ولذلك لفت البيان أنه تم إدراج السيد وزغيب وعبيد لمساعدتهم ماديًا أو رعايتهم أو تقديم الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحزب الله أو لدعمه.

كما أدرجت وزارة الخزانة الشركة الأوروبية اللبنانية للتجارة الدولية التي يمثلها البزال وكانت مسؤولة عن عشرات شحنات غاز البترول المسال، التي قامت بها نقالات غاز البترول المسال "ألفا" و"مارينا" إلى ميناء بانياس في سوريا لصالح شركة "حقول"، والتي تم تصنيفها في 4 سبتمبر 2019 لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة البزال.

وأوضحت الوزارة أن البزال استخدم شركة "إليت" لتغطية نفقات التشغيل لشركتي تشغيل السفن "ألفا، ومارينا"، وبناء على ذلك، تم إدراج كل من "إليت" و"ألفا" و"مارينا" كممتلكات لحزب الله مصلحة فيها.